تواطؤ الإعلام العدني في مقتل عمر محمد









التواطؤ هو أن ترى جريمة وتتعامى عنها، أنها لا تقل بشاعة عن المشاركة بفعلها، فكيف الحال إذا كنت انت قادر على تشكيل رأيي عام مناهض لتلك الجريمة ودافع قوي ومهم للبحث عن القتلة، والإعلام وحده هو من يستطيع ان يقوم بمثل هذه الأعمال ان تحلى بالمسئولية والشرف، الإعلام يستطيع أن يبرز قضية ما، ويستطيع أيضا لو تجاهلها عن عمد ان يقضي عليها في مهدها.
مقتل الشاب عمر محمد الذي اعدم بتهمة الإلحاد من قبل جماعات دينية متطرفة، كان له وقع كبير على بقعة  شاسعة  من الوطن العربي، وتم  تداول  مقولاته وصوره بطريقة  كبيرة، واثار الكثير من الرفض لهذا النوع من التعامل مع الاختلاف، إلا  الصحافة الورقة والإلكترونية في عدن، فقد تجاهلت هذا الأمر، والبعض  أورده بكثير من الاستحياء  دون أن يذكر سبب القتل او الجهة المتورطة بهذا العمل البشع، اما عن المقالات التي بحثت في هذا العمل بشكل حيادي أو عميق لم يسمح لها بالنشر ، بينما ظهرت مقالات تدين الإلحاد والارتداد عن الإسلام  كنوع تبريري لهذا الجريمة الغير أخلاقية.
تجاهل الإعلام الجنوبي المتعمد لمثل هذه الجريمة يمثل انعكاس طبيعي لما هو عليه المجتمع في عدن، فالصحفي والمحرر وصاحب الجريدة هم نتاج المجتمع ويحملون ذات الأنماط الفكرية التي يحملها المجتمع، لذا نحن نتحدث هنا عن صحافة تقليدية تعكس بالضبط ما يفكر ويؤمن به المجتمع في عدن، وللأسف وحتى اللحظة لم تبرز صحافة متميزة ومختلفة تحمل هم الفكر والثقافة والتنوير، فكل ما هو موجود هو انعكاس رتيب لما يفكر به الانسان العادي هناك.

وعليه هل تعرفون ماهي الصحافة التقليدية ، انها تلك التي عندما يقتل شاب بتهمة الإلحاد وبطريقة رجال العصابات حيث يتم اختطافه  وإطلاق الرصاص على وجهه ثم  إلقاء جثته بأحد الأزقة ، فأن الصحافة التقليدية هنا لا تتجاوز دورها البسيط بنقل الخبر مع التذكير بأن الإلحاد عمل مخالف للشريعة، ثم تغلق هذا الملف نهائيا دون السماح لأية مقالة او كاتب بالتعبير عن رأيي آخر، هذا ما فعلته الصحافة العدنية في أكبر سقوط أخلاقي لها، أنها تؤكد بأن المجتمع العدني ما هو إلا مجتمع ديني منغلق يميل إلى التطرف او الى تفهم وتبرير الأعمال المتطرفة .
يكذب الصحفي أو صاحب الصحيفة عندما يتحجج بالخوف، فالإعلام هي مهنة المتاعب، وهو يعرف ذلك جيدا، و لكن  وعلى ما يبدو ان قناعاته الدينية هي من تمنع مقالة تنتقد هذا التطرف وتضرب في جذوره وتمنح المجتمع زاوية لأخرى لكي يرى الجريمة بشكلها البشع الحقيقي والغير تبريري ، هذه القناعات ليست بالضرورة ان تكون متطرفة تحمل ذات الأفكار التي تحملها القاعدة أو داعش، ولكن ومن المؤكد أنها معتدلة وتخشى ان تتطرق تلك المقالات التي تنتقد جريمة القتل إلى انتقاد ضمني للدين، حيث يصر المعتدلون دائما بأن الإسلام بريء من تلك الأعمال وان من يقوم بالخطف والقتل والتكفير لا علاقة لهم بالدين، وهذا الدفاع الجداري يصد ويحمي معه تلك المنظمات الدينية الإرهابية بشكل أو بآخر.
لكن يبقى حجب قضية بشعة وحقيرة كاتلك التي حدثت للشاب عمر محمد هو أمر لا يمكن تبريره بالنوايا الحسنة ابدا، وستظل وصمة عار في جبين إعلام جبان ومهادن ولا يقوم بدوره كما ينبغي.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الزنداني، إنه كاهن الخراب

تساؤلات

تباهي