علمانيون من اجل الجنوب

ماذا تعني العلمانية، وما هي مشكلتكم مع الدين، والجنوب وحتى الان لم يتحرر ولم يقف على قدميه وأنتم تنادون بشيء لا أحد يهتم به، فالناس في حاجة إلى الكهرباء والماء والأمن والغذاء، والعلمانية لا توفر شيء من هذا، توقفوا عن هذا الأمر فهذا الوقت ليس وقتكم.
ما ذكر في الأعلى هي ما نسمعه بين الحين والآخر، وبعضها يصدر من أناس طيبون، والبعض الآخر يصدر من ذوي النهج السياسي الديني الذين يرون أن الطريق ممهدا لهم ولا يمكن ان يقف أحدا أمامهم إلا ان يبرز فكر علماني حقيقي، فالعلمانية هي وحدها من تؤرقهم والعلمانية وحدها هي من تكشف الغطاء عنهم أمام الناس.

 فالعلمانية ليست فكر حديث وطارئ بل هي فكر إنساني تراكمي عميق ناتج عن تجارب علمية وعملية، وهي جاءت نتيجة لأحداث سياسية معظمها كانت دموية حيث كانت السياسة قائمة على أسس غير إنسانية وتعتمد على العرق او الدين او القبيلة في تسيير أمورها وحكم رعيتها، فكان من الطبيعي قيام ثورات تلو الأخرى جراء المظالم المتوقعة ، إلا أن اسوء فترات الحكم السياسي كانت تلك المدعومة كنسيا في القرون الوسطى حيث استشرى الفساد والإقطاع والفقر والجهل، ولم تخرج أوروبا من تلك الأزمان القاتمة إلا بعد أن اعتمدت العلمانية نهجا صريحا في عملها السياسي ونحت الدين جانبا عن الحكم مع إتاحة حرية التعبد والتفكير والتعبير عن الرأي ، فالعلمانية هي فكر محايد جدا مع الأديان، يحترمهم ويسمح لهم بمزاولة طقوسهم والتعبير عن أفكارهم ضمن نطاقهم الاجتماعي دون  ان تستخدم تلك الجماعات الدينية أي نوع من أنواع الإرهاب سواء كان إرهابا فكريا او إرهابا جسديا.

العلمانية لا توجد لديها مشكلة مع الدين ابدا ولا تحاربه او تمنعه او حتى تدخل به، العلمانية هي الفكر الوحيد الذي يجد الدين فيه مساحته الواسعة والآمنة، لكن أن يتم استغلال هذا الدين وأدواته التحشيدية في العمل السياسي من اجل الوصول إلى السلطة ومن ثم التحول من حزب سياسي إلى حاكم بأمر الله ومتحدثا باسمه، فهنا العلمانية تقف بصرامة امام هذا التوجه لأسباب عديدة اوجزها بالتالي:
1-              عدم استطاعة الجماعات الدينية أثبات أن الدين الإسلامي يمتلك مرجعية نصوصية تدعم توجههم السياسي، فهم يقفون حائرون أمام أسئلة جوهرية خاصة بطريقة إختيار الحاكم ومدة حكمة وكيف يتم اختياره ومن الذي يختاره وكيف يتم تعيين من يطلق عليه بأهل الحل والعقد .... الخ من تلك الأسئلة التي تقع في صميم العمل السياسي للدولة الحديثة، لأنه ومن الطبيعي ومادام انهم ينادون بأسلمة الدولة فعليهم استحضار نصوصا دينية تثبت كل تفاصيل الدولة التي ينادون بها، وهذا لن يحدث لعدم وجودها وكل ما يمتلكونه هي تجارب تاريخية اتسمت كلها بكثير من الحروب والاقتتال والتوارث الجبري للسلطة.
2-              مأزق الجماعات الدينية عدم وجود تجربة سياسية ثابت يستندون إليها، فالفترة الوحيدة التي كان بها الحكم غير ملكيا هي فترة حكم الخلفاء الراشدين، واتسمت تلك الفترة بتعدد التجارب وعدم ثباتها وارتجالها في اللحظات الأخيرة من حياة الخليفة.
3-              احتكار المساجد واستخدام اللغة الدينية المبنية على الترغيب والترهيب في العمل السياسي يفقد تلك الجماعات الجدية في بناء الدولة من خلال طرح مشاريع تنموية حقيقية.
4-              استغلال المنابر الدينية في العمل السياسي هو عمل احتكاري يقتصر عليها حيث لا يسمح لباقي الأحزاب السياسية اعتلاء تلك المنابر والدعوة لبرامجها الانتخابية، وبالتالي تقسيم تلك الأحزاب ما بين أحزاب إسلامية وأحزاب غير إسلامية، مما يعني بالضرورة إرغام المواطنين الذين يذهبون إلى المسجد في اليوم الواحد خمسة مرات إلى انتخابهم من منطلق ديني مقدس يجنون الأجر والمثوبة نظير هذا العمل من الله سبحانه وتعالي، وبالتالي فتلك الأحزاب معفية من التزاماتها أمام الناخبين كون ما قاموا به هو عمل ديني صرف.
5-              الأحزاب الدينية ترفع شعار الإسلام، بينما الشيطان يكمن في التفاصيل، فكل حزب ديني يختلف عن الحزب الديني الآخر، بل وربما ينظر إليه كفصيل ديني منحرف عن النهج الإسلامي القويم، مما يعني بأنه وأن حكم سيطبق نظريته الدينية في الحكم غير مستندا على قوانين أو أنظمة مدنية، تلك النظرية الدينية المذهبية الضيقة التي تصنف الناس ما بين مؤمن وغير مؤمن، وكل من لا يتبع فكرهم هو بالتالي يتبع الطرف الآخر الناقص إيمانه.
6-              حين يتولى الحزب الديني الحكم عن طريق الانتخابات، فهو لن يقبل بالتنازل عن الكرسي بأية حال، لأن هذا يعني أنه تنازل عن الإسلام لفصيل علماني الذي هو في نظرها غير مسلم، وهذا يضرب عقيدتها التي قد تفعل المستحيل حتى تحول دونه.
7-              تفتقر الأحزاب الدينية إلى مشاريع دنيوية حقيقية، وتهرب من هذا الأمر كونها تعرف بأن مثل تلك المشاريع تلزمها بالتعاون مع البنوك الداخلية والخارجية والالتزام بالمستحقات المالية وفوائدها الربوية، لذا هي توجه خطابها دائما بشكل وعظي ديني بحت تحت شعارات فضفاضة.
8-              كل الدول الدينية المعاصرة كانت كارثة حقيقية على الحضارة البشرية، وكانت سلبياتها فضيحة لا يمكن إخفائها، فالسودان تعيش تحت حكم ديكتاتور يرفع الإسلام شعارا وتعيش بلده في حالة من البؤس الاقتصادي، اما إيران فخطابها ونهجها الديني أدخلها في خصومة مع معظم دول العالم، ناهيك عن تجربة طالبان وأخيرا تجربة الدولة الإسلامية ( داعش ).
9-              الحكم الديني يتسم بالعنف تجاه مخالفيه ويدخلهم في دوامة التكفير لأنه يعتبر معارضيه هم بالضرورة معارضين للدين.
10-        مبدأ الولاء والبراء هو مبدأ جوهري في العقيدة الدينية، وبالتالي هي تعني قيام عداوات مبنية على خلفيات عقدية منحية بذلك المصالح الوطنية وإدخال البلاد في حالة من النزاعات السياسية الخارجية التي لا تتوقف ابدا.

والأهم من كل ما ذكر بالأعلى هو أن أستخدام الدين في السياسة هو تدليس لها، فالسياسة هي فن الممكن والدبلوماسية والمرونة ، بينما للدين أسس ثابته وصريحة سيضطر رجل الدين ان يلينها ويلوى معانيها حتى يساير السياسة، وهذا يمس جوهر الدين، او ان يعمل رجل الدين المسيس بأسس الدين الثابتة في السياسة مما يعني خلق حالة من التصادم الدائم والمستمر مع المجتمع والأقليم ومن ثم مع العالم كله.

يعلم الجميع بأن الجنوب العربي هي دولة لم تظهر وحتى الان بوادر تشكلها، وكل ما لدينا هي فصائل مسلحة تنادي باستعادة الجنوب دون أن تطرح مشروعا واضحا لماهية الدولة القادمة، و يبدوا انه هنالك حالة من المواربة الشديدة تغطي نواياها، إلا ان أبرز ما يظهر على السطح هي وجود مستنقعات دينية متطرفة تقود العمل السياسي وتصرح علانية بنواياها بخلاف باقي الفصائل السياسية الأخرى، الأمر الذي يتطلب حضور مدني علماني صريح يوازي ذلك الخطاب الديني ويضع النقاط على الحروف، وبما أن العمل الميداني في ظل هذه الظروف الغير آمنه صعب للغاية، فالبداية ستكون على ما هو متاح وهي بالتأكيد مواقع التواصل الاجتماعي، حيث قامت نخبة من مفكري الجنوب العربي بإنشاء مجموعة فكرية تحت مسمى ( علمانيون من اجل الجنوب ) وهي مجموعة فكرية ثقافية تتيح مساحة لا متناهية من الحرية الفكرية وطرح الأرآء والتأكيد في نفس الوقت بان أهمية العلمانية في الوقت الحالي لا تقل عن أهمية التأسيس الأولى للدولة من أمن وصحة وتعليم، لأن العلمانية هي طريقة حياة ونواة صلبة للدولة المدنية، وبدونها لا يمكن ان نطلق مسمى دولة على أي كيان سياسي، فالكيانات الدينية والقبلية والعسكرية ليست دول بقدر ما هي بقاع للهيمنة والإثراء والطغيان.

تجدونه على هذا الرابط

علمانيون من اجل الجنوب

تعليقات

  1. CASINO REVIEWS 2020: Casino in Tennessee - JDH
    CASINO REVIEWS 2020: Casino in Tennessee 여주 출장마사지 - JDH Marketing Partner The casino 동두천 출장안마 is located 화성 출장샵 off 슬롯 the property, and the player is allowed to live 평택 출장안마

    ردحذف

إرسال تعليق

بإمكانك كتابة ما تشاء، لك مطلق الحرية ، فقط حاول ان تعبر بطريقة جميلة .

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مفاتيح سيكولوجية الفرد الشمالي بيد علي عبدالله صالح

خرافات جنسية