دولة الخلافة تحت ظلال الزنداني
رجم امرأة حتى الموت في عهد طالبان بتهمة الزنى |
كانت أول خطبة بعد أن أعلن الزنداني أن مصلحته ستكون مع الثورة هي تبشيره للشباب من على المنصة في صنعاء بان الخلافة الإسلامية ستعود إلى صنعاء ليتسبب منذ تلك اللحظة في قلق الكثيرين من أطياف الشعب اليمني وتخويفهم من مرحلة طالبانية قادمة و مخيفة قد تكون أسوء بكثير مما عشناه تحت نظام على صالح، فلا أحد يتصور أنه يستطيع العيش تحت دولة تحكمها قوانين وأنظمة وأفكار عبد المجيد الزنداني، إلا أنني كنت أحاول أن أتغاضى عن ظهور الزنداني بحجة أنه يبحث عن موطأ قدم له في اليمن الجديدة وأنه ومها كان النظام الحاكم الجديد في اليمن فلن يكن أسوء من النظام المستبد السابق وأن هذا الزخم الثوري الواقع تحت أقدام شابه لن تسمح لفكر تقليدي متشدد مثل الذي يحمله الزنداني بالمرور أو العبور على ظهورهم من جديد.
الواقع وتسارع الأحداث أثبتت عكس ما كنت أعتقده فدخول العسكر من ذوي السمعة السيئة ثم رجال القبائل وما يحملونه من أفكار تعود إلى ما قبل تشكيل الدولة الحديثة همشت من الحضور الشبابي وما يحمله من فكر واعي متمدن لصالح أفكار ترفض أن تغادر مخيلتها العجوزة وتصر على فرض ما تؤمن به على الجميع دون أي تميز أو مساومة. فالزنداني لا يفهم بأنه عمره وطريقة تفكيره لا تتؤائم أبدا مع طريقة وأحلام وطموح الشباب الثائر الذي يريد دولة حقيقية يسودها النظام والقانون لا التفسير والتأويل حسب الأمزجة والراويات.
المشكلة لا تكمن مع الزنداني كشخص بل هي مشكلة مصيرية مع ما يمثله من أفكار متطرفة ومنظومة متكاملة مرتبطة معه تبدأ من جامعة الإيمان وتنتهي في عقول مقاتلي القاعدة مرورا بالقبيلة المسيسة والجناح العسكري في الجيش، مما يشكل تيار قوي يستطيع أن يعصف بالجميع أن أراد ذلك، وما يصرح به الزنداني أو مكتبه لا يختلف كثيرا عن ما يصدر من بيانات القاعدة سواء من الناحية الفقهية أو اللغوية أو الثقافية، فكلاهما ينهلان من نفس المورد لسيد قطب وابو علاء الموادري وهما أول من أسس لفكرة المرجعية ورفضا الدولة الحديثة والمعاصرة بحجة أنها تتعارض مع القيم الدينية الإسلامية ومن خلالها خرجت معظم التنظيمات الجهادية التي كفرت المجتمع والدولة ودعت للهجرة والقتال، وما نراه من أعمال دموية في المساجد والمقاهي هي تطبيقات فعلية لما تسعى إليه تلك المنظمات الخارجة عن القيم الإنسانية ناهيك عن قيم التسامح والمساواة التي نادت بها كل الأديان .
ما أصدره مكتب عبد المجيد الزنداني مؤخرا في معرض رده على مقالة كتبها الدكتور محمد المتوكل بشأن الدولة المدنية كان مخيفا ومرعبا جدا إذ أنه يطرح مبررات رفض الدولة المدنية بسبب أنها أولا تعتبر الشعب هو المرجع والمشارك في سن قوانينه وثانيا بأن الدولة المدنية تساوي بين جميع أبناء الشعب الواحد على أسس المواطنة الواحدة وأن هذان الأمران حسب شرح مكتب الزنداني يتنافيان مع أسس الشريعة الإسلامية ودولة الخلافة المرتقبة، لأنه وحسب ما هو واضح بأن دولة الزنداني ستقوم بتصنيف المواطنين اليمنيين حسب أديانهم أولا ثم و لأنه لا يوجد دين إسلامي كوحدة واحدة وإنما مذاهب وطوائف فأن التميز سيستمر على أسس مذهبية ثانيا ثم عرقية، وعليه سيصبح أي شخص لا يعتنق الفكر المذهبي الذي يعتنقه الزنداني هو شخص يجب أن يعامل بشكل أكثر دونية وأكثر عرضة للعقاب والإقصاء والتنكيل، لذا فالزيدي والأثنى عشري والشافعي الصوفي والإسماعيلي كلهم مواطنون ناقصون مواطنة، و هؤلاء لا يحق لهم المشاركة في أية فعاليات قانونية أو مدنية ولا يمكن لهم بحال من الأحوال تولي أية مهام سياسية والأهم من كل هذا أنه لا يحق لهم المشاركة في سن القوانين الدستورية و يكتفى بهذا الشأن بالزنداني ومن هم على سياقه في فهم النصوص الدينية والفقهية والقانونية باعتبار أن الزنداني نابغة في كل المجالات العلمية والدينية والفكرية والفلكية والرياضية والطبية ....الخ، وأنه وحسب تبرير الزنداني لكراهيته ورفضه للدولة المدنية فأن غالبية الشعب اليمني خارج نطاق المواطنة المتساوية لأن الإسلام يرى فيهم كائنات خارجة عن نطاقه وتعاليمه ورسالته !؟
الزنداني كشخصية كرزمية انتهت منذ انتهاء الحرب الباردة إذ أن دوره آنذاك كان مكرسا لمحاربة السوفيت أو المعسكر الشرقي لصالح الأمريكان أو المعسكر الغربي ، إلا أنه لم يفهم بان دوره انتهى بانتهاء تلك الحرب وانه أصبح ومن خلال أفكاره رجل مطالب للعدالة الدولية وربما الوطنية أيضا جراء مواقفه وفتاواه تجاه الجنوبيين في حرب 94م والتي وعلى ما يبدوا أنها لن تنسى مهما تقادم بها الزمن، والزنداني وهو يحاول أن يمارس دوره مثل ما كان في الحرب الباردة أو في حرب ما سميت بالانفصال لم يستوعب المتغيرات الكبيرة والجذرية التي حدثت والتي لولا القوة العسكرية والقبلية التي تحيط به ما كانت سمحت له بالتواجد على المنصات بعد أن خسر مكانه في المخيال الشعبي وعلى مستوى الشارع اليمني الذي أصبح غالبيته من الشباب الرافض لكل ما يطرحه من أفكار تبدوا غريبة ومستهجنة لديه، وأصبحت قصص سماع أصوات الموتى وعلاج الإيدز هي من النوادر التي أصبحت مملة وغير مضحكة أيضا.
مأزق الزنداني الحقيقي ومن هم على تياره أنهم ومهما نقبوا في النصوص القرآنية أو الأحاديث النبوية أو حتى مؤلفات السلف لم ولن يجدوا ما يطرح آلية إسلامية عن كيفية تعيين و نقل السلطة من حاكم إلى آخر، أو كم عدد ما يطلق عليهم بأهل الحل والعقد، أو من هم المؤهلين لدخول مجلس الحل والعقد ومن يختارهم وكم يبقون وكيف يأتي غيرهم، أنهم وعندما يصلون إلى مثل هذه النقاط الحساسة والدقيقة يلجئون فورا إلى القوانين المدنية والوضعية ليسدوا بها هذه الثغرة الكبيرة والمهمة لتبدوا لنا حينها بأن العملية بأجملها هي عملية ترقيعية لا اقل ولا أكثر .
وبطبيعة الحال فأنهم حين يحشرون في مثل هذه الزوايا يقومون مباشرة باستخدام الدين ولي أعناق الآيات لتصوير من يجادلهم بأنه ضد هذه الآيات وضد القرآن والإسلام بينما الواقع يقول بان الإسلام لم يشأ أن يقحم نفسه في السياسة لأن السياسة مجال متغير ومتعلقة بأمور الناس اليومية التي تتغير بتغير أحوالهم وأماكن معيشتهم وزمانهم.
ويبقى السؤال لماذا يتجاهل الزنداني وثيقة المدينة التي وقعها النبي مع وثني المدينة ويهودها والتي تعتبر مرجعية مدنية راقية، ولماذا الإصرار دائما على تصوير الدين الإسلامي بأنه ذاك الدين المتجهم العنصري العنيف الذي يرفض التمدن والمعاصرة وأنه كتلة إسمنتية جامدة غير قابلة للتؤائم والتكيف مع مقتضيات الزمن وصيرورة البقاء والاستمرار؟
تعليقات
إرسال تعليق
بإمكانك كتابة ما تشاء، لك مطلق الحرية ، فقط حاول ان تعبر بطريقة جميلة .