تهاوى الحراك وبقي البيض
أن ينتقل
العميد ناصر النوبة والذي يعد أحد مؤسسي الحراك الجنوبي إلى صنعاء ويعلن من هناك
تأييده المطلق لمخرجات الحوار الوطني الذي لم ينص على الحد الأدنى من مطالب
الجنوبيين الشرعية فهذا يعني أن التصدع في الحراك تجاوز مرحلة الترميم إلى حالة
أشبه بالتشطي إلى فتات متناثر من الصعب إعادة جمعه من جديد.
أعلم بأنه
هنالك من لا يزال يرفض واقع الحراك المتهالك، ومازال يتحدث باسمه ويسعى إلى تحقيق
أهدافه، وأن كان هذا نضال مثالي جدا، إلا أنه منفصل عن الواقع مما قد يعمق
الإشكالية ويجذر حالة الجمود التي نشاهدها، لأن معرفة المشكلة يؤدي في الغالب إلى
حلول محتملة، ودون أن نقر بأن الحراك بات مرحلة من الماضي نضرا لتوسعه وترهله
ودخول جماعات وأشخاص من كل حدب وصوب الأمر الذي يعني إفراغه من الداخل وبروز
شخصيات تمتهن الجلوس على المنصات أكثر من أي شيء آخر فنحن ولا محالة لن نتقدم خطوة
واحدة إلى الأمام، ومن ثم لن نستطيع الانتقال إلى مرحلة أكثر تماسكا ووعيا
واتفاقا.
هل هنالك من
بحث في موضوع تحول ناصر النوبة واسبابه، وما الذي جعله يتخذ هذا الموقف الراديكالي
وبهذه المرحلة الحساسة التي تمر بها البلاد، هل هنالك من بحث عن جدوى هذا الانتقال
وهل الفائدة ستعود على الجنوب أم على النوبة فقط ومن معه.
في كل الأحوال
فأن الحراك الجنوبي أصيب بضربة مؤلمة جراء هذا الانتقال، وأيضا أيقظنا على واقعنا الهش
في هذا الحراك التي نرى فيه قادة الجنوب يتهاون واحد تلو الآخر ويتهافتون نحو
صنعاء لتقديم الولاء والطاعة .
أمام سقوط
الحراك الجنوبي برصاصة الرحمة التي أطلقها النوبة، لم يعد هنالك في الساحة إلا علي
سالم البيض الرجل الذي ومنذ أن ظهر أختطف الأضواء والنفوذ والسلطة، الرجل الذي _
وعلينا ان نقر بذلك _ منح القضية الجنوبية الشيء الكثير من الزخم والذي ضخ في
شرايينها الدماء، وأيضا علينا ان نقر بأن حضوره من جهة أخرى زاد التصدع بين القادة
الجنوبيين ( وما أكثرهم ) واشغلونا لسنوات بمحاولات الصلح فيما بينهم دون أية جدوى
وتوصلنا إلى نتيجة بأن اتفاقهم على مشروع موحد هو شيء اشبه بالخيال ، وباتت
التصريحات تصدر بشكل متشتت ومنفرد فيما يخص هذه القضية .
هذا أمر غاية
في الطفولية وأمر لا يمكن له أن يصدر عن قادة مخضرمين، لأن عدم الاتفاق فيما بينهم
بالشكل الذي جعل من القضية الجنوبية جثة هامدة لا يعني إلا أنهم يبحثون عن تأمين
مصالحهم والتي هي بالضرورة تتصادم مع مصالح الأطراف الأخرى الأمر الذي يؤدي إلى
عدم الاتفاق.
الأعمى الذي
لا يمكن له أن يرى الحراك الديناميكي السياسي في الشمال ومقدرة الأطراف المتصارعة
أن تلملم نفسها وتعيد تشكيل خارطة تحالفاتها بما يتوائم مع المرحلة، فاهو الإصلاح الذي
القى بكل شعارات الثورة ودماء الشهداء وارتمى من جديد عند علي صالح يطلب المغفرة
بعد أن سلبت منهم عمران وفقدانهم قائد عسكري كبير، بينما نحن ومنذ ما يقارب العشر
سنوات نراوح مكاننا ونتبادل التهم والتخوين والإقصاء ومحاولات التفرد بقضية هي أكبر
من ان يقودها فصيل واحد دون غيره من الفصائل.
القضية
الجنوبية الان تم إدخالها في الثلاجة، وأصبحنا نقلب أبصارنا متسائلين ما الذي يحدث،
وما هو سبب هذا الهدوء في وقت نرى أن الوضع السياسي الحالي هو وضع تاريخي هام للقضية
الجنوبية و لا يمكن تعويضه مرة أخرى على المدى القريب وأن كل الظروف موائمة للتحرك
الجدي والانتقال إلى خطوة أخرى متقدمة.
لكن وعلى ما
يبدوا بأن حالة الجمود هذه ناجمة عن عقم داخلي وأفلاس وعدم مقدرة على تولى زمام
الأمور بالشكل المطلوب، وعليه ومن البداهة أن يتم تشكيل سياسي أكثر فاعلية ومقدرة
على التحرك واقتناص هذه الفرصة قبل أن تختفي دون رجعة، فهل هنالك من هم على
استعداد لذلك؟ هذا ما أتمناه.
تعليقات
إرسال تعليق
بإمكانك كتابة ما تشاء، لك مطلق الحرية ، فقط حاول ان تعبر بطريقة جميلة .