لماذا مبادرة الحوثي تجاه الجنوب مرفوضة.




الجهل بالأمور ليس عيبا، وبإمكان الجاهل بأمر ما أن ينهي جهله بالبحث والاطلاع والتحري، لكن التجاهل عن شيء واضح وله تاريخه ومعالمه التي لا تخفى على أحد هو العيب والغير مقبول، وأكثر أنواع التجاهل استفزازا هي تلك التي تأتي وكأنها مبادرة حسن نية وتعاطف مع قضاياك ولكن عن طريق تسطحيها وتسخيفها وتصويرها بصورة غير حقيقية عنها وعن مضمونها وأهدافها لتصبح المبادرة فرقعة سياسية وإعلامية بدون أية معنى أو نتيجة، وهذا بالضبط ما قام به النجم السياسي الصاعد بقوة  في المسرح اليمني عبد الملك بدر الدين الحوثي عندما أقترح بأن يتنازل عن المقاعد المخصصة لأنصار الله ويمنحها للجنوبيين حتى يعودوا إلى صنعاء عاصمة اليمن الموحد، وهذه المبادرة نابعة من موقف قوي ومن رجل  يمتلك معظم أدوات اللعبة ويسعى نحو بناء مسرح من الدمى يكون هو المسيطر الوحيد على خيوطها ليتلاعب بها كيفما شاء، ولعل آخر دمية أراد صنعها هي دمية باسم الحراك الجنوبي الحوثي، على غرار الحراك الجنوبي التابع لصنعاء ولعبد ربه هادي تحديدا، وحراك الناخبي التابع لبيت الأحمر، ليصير لكل فصيل في الشمال حراكه الخاص الذي يتباهى به أمام العالم ويظهر وكأنه المتعاطف مع الجنوبيين والمتحالف معهم، طبعا هذا ليس خطاهم ، والخطيئة تعود على الجنوبيين أنفسهم وعدم مقدرتهم على توحيد صفوفهم منذ البداية وتحصين أنفسهم من مثل هذه الاختراقات المسيئة لهم ولقضيتهم الأم .

 

مبادرة الحوثي تتلخص حسب وجهة نظره في حقائب في الحكومة المزمع تشكيلها، وبهذه الطريقة سيتم حل الإشكالية الجنوبية وتعود المياه إلى مجاريها، وهؤلاء الجنوبيين المراد منحهم هذه المكرمة الحوثية يجب ان يكونوا على غرار اليساريين الذين في صنعاء المواليين له والمروجين لمشروعه القادم في تحقيق الدولة المدنية، تلك الدولة التي ترتكب باسمها ابشع الموبقات دون أن تظهر ملامحها أو نرى بصيص أمل منها.

 

أما لماذا هذه المبادرة مرفوضة، فالأمر يطول شرحه، لأنه عندما يتم تسطيح قضية مثل القضية الجنوبية بهذه الصورة ، فأنت أيها المواطن الجنوبي تكون أمام خيارين لا ثالث لهما، وهو ان من قام بالتسطيح هذا جاهل بقضيتك مما يعني ذلك بذل مجهود كبير لشرحها والغوص في تفاصيلها ومسبباتها وتعرجاتها وهذا امر بات محل تجاوز زمني، لأن الجميع صار يعرف ما هو المقصود بالقضية الجنوبية وإلى اين تريد أن تتجه وما هو هدفها الوحيد، والخيار الثاني هو أن صاحب هذه المبادرة يتعالى على همومك بطريقة مزعجة رغم معرفته بها ، والأمر هنا لا يستدعي التوقف أمامه وامام كل ما يطرحه بهذا الشأن، وبما أن الحوثي يعرف اسوة بغيره أسباب هذه القضية ومدى عمقها ، ويعرف أيضا بأن حلها لا يمكن أن يتم عبر مبادرته آنفة الذكر ، وان طرحه مرفوض جملة وتفصيلا من قبل أصحاب الشأن، فأن الأمر المحير هو لماذا تم طرح مبادرة غير مقبولة سلفا.

أنا شخصيا غير معني بالجواب على هذا السؤال، لأنه لا يعدوا كونه إلا حالة من الحشو الإنشائي لخطاب طويل وممل اعتدنا على سماعه منه، ولكني معني بالتوجه إلى بعض الجنوبيين الذين يروجون للمشروع الحوثي القادم من جبال مران في صعدة، والتلميح بأن القضية الجنوبية ستجد دعم منقطع النظير من سيد القصر الجديد وهو عبد الملك بدر الدين الحوثي، وأحسب أن مبادرته الأخيرة كفيلة بإسكاتهم وإسقاط كافة حججهم التي طالما وقفنا ضدها من منطلق المعرفة التاريخية والاجتماعية لتنظيم أنصار الله.

آمل أن يعرف كافة الجنوبيين الآن بأن من ينظر إلى قضيتهم من الثقب الصغير الذي نظر به عبد الملك الحوثي لا يمكن له أن يأتي بأي حل، وهو هنا وأعنى به الحوثي لا يختلف عن أي شمالي آخر يتربع على مراكز النفوذ في صنعاء، بل أنه نسخة طبق الأصل عمن سبقوه، وأنه وعلى كل جنوبي أن يؤمن إيمانا مطلقا بأن حل قضيته نابع من حدود أرضه وعزيمة شعبه وأن يتوقف عن الترويج لأحلام سرابية قادمة من الشمال، لأن من يتجاهل قضيتك ومعاناتك لا يستحق التوقف أمام ما يطرحه أو يقوله.

الجنوب يا عبد الملك الحوثي لا يسعى لمقاعد وزارية تكون مرجعيتها قبلية دينية أنت تمثلها، والجنوب  لم يعد يرى في وحدة مع مكونات اجتماعية غاية في التعقيد أي حل أو طموح له، كما أن الجنوب بات من أحد اكبر المستحيلات أن يعيد الوحدة مع جهة اختلفت مع بعضها في كل شيء إلا في طريقة النظر اليه والتكاتف على هضم حقوقه.

نحن ماضون نحو الاستقلال، والاستقلال هي المبادرة الوحيدة التي يمكن أن نقبلها ونجلس للتفاوض بشأنها، ودون ذلك لا تعدوا كونها إلا تراهات فارغة من اية معنى لا تستحق الوقوف أمامها.

 

 

 

 


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

علمانيون من اجل الجنوب

مفاتيح سيكولوجية الفرد الشمالي بيد علي عبدالله صالح

خرافات جنسية