علمانية الجنوب خط أحمر
ماذا يعني أن
تكون علمانيا، وهل هنالك طقوس معينة أو أدعية يجب ان تتلى كل صباح، وما هي
العلمانية هذه التي باتت تتكرر على كل لسان وكأنها عدوى تنتشر في الأجواء، ثم
أخيرا هل بالإمكان أن أكون علمانيا وانا مؤمن بدين سماوي معين فأنا لا أرغب بالتفريط
في ديني.
قد يرى البعض
هذه الأسئلة ساذجة إلى حد عدم التفكير بالرد عليها او حتى مناقشتها، بينما يرى صاحب هذه الأسئلة أنها هامة جدا، وينتظر
بفارغ الصبر ان يجد إجابة عليها حتى يشبع
فضوله ونهمه بهذه القضية ، وعليه فأن تكرم الرجل المدني بشرحها ، عندها سيكون قد
أنصف قضيته، وان تجاهلها ، فهنالك ولا شك من ينتظر بفارغ الصبر أن يجيب عليها ويملاء الفراغ هذا الذي سيتقبل
أي مادة ان تملأه ، فتلك الأسئلة تدل على ان صاحبها لا يملك ادنى فكرة عن
العلمانية ، وان أية إجابة ومهما كانت ، فهي ستترك اثرا فكريا عميقا لديه ، وقد يستخدمها
و يجادل المختلفون معه بهذه القضية من
خلال تلك الإجابات التي تحصل عليها.
نحن شعوبا لا
تقرأ، لذا نلجأ إلى طرح الأسئلة السريعة على أمل الحصول على إجابات مختصرة تغنينا على
مجهود القراءة الطويلة لكتب مملة ولا صور جذابة بداخلها.
لذا علينا أن
نمتلك رحابة صدر حتى نستوعب مثل تلك الأسئلة، وان نتوقع تكرارها بشكل دائم ومستمر
، وخاصة إذا عرفنا بأن سبب طرح تلك الأسئلة يعني أنه هنالك غياب للطرف الديني
المناهض للفكر العلماني مما انتج فراغ يجب أن يستغل بطريقة معتدلة، مع التأكيد على
ترك مساحة ذهنية وعقلية للمتلقي حتى يختار ما يريده دون ان تفرض عليه قناعات بطرق
ملتوية ، فنحن نختلف عن ذوي الذهنيات الكهنوتية، فاحترام العقل وحرية القرار تقع
ضمن صميم مبادئنا ، بينما هم يعتبرون أن هذه الأمور غير مستحبة وبل و مكروهة ، لذا
هم يلجئون للترغيب والترهيب حتى يجبروا الأخرين على أتباع أفكارهم في كثير من
الأمور الحياتية .
لذا علينا أن
نقول، بأن العلمانية ليست دين أو معتقد، ولا يوجد لديها إلها مقدسا يطلب من
الآخرين آداء الفروض له ، ولا توجد أية التزامات يومية تجاهها ، كما أنها لا تطلب
منك أبدا التحرر من ما تؤمن به من دين أو معتقد، إلا من ثقافة الإقصاء والكراهية
والتحريض على العنف، فالعلمانية هي مساحة شاسعة تتسع باتساع الوطن لتتقبل الجميع
بمختلف مشاربهم تحت مظلة متساوية ولا تسمح لطرف
أن يعلوا على طرف آخر باسم الدين أو المذهب أو العرق أو المنطقة، فتلك ما
لا يمكن قبوله في النهج العلماني.
وللعلمانية
شقها السياسي الهام والأساسي، وهي رفضها للتدخل الديني في الشئون السياسية، كون
العلمانية تستمد قوانينها من الإرث الإنساني التراكمي والقابل للزيادة حسب مقتضيات
العصر، بينما الفكر الديني يستمد قوانينه من العصر الماضي دون قبول فرضية أن الوقت
تغير وان الإنسان تطور وأستطاع ان يقتحم أغوارا ضيقة وفضاءات شاسعة، فما كان ينظم
حياته قبل الف عام ، بالتأكيد لا يصلح أن
ينظمها في هذا العصر، كما أن الفكر الديني أن تدخل في الشأن السياسي، فهو لا يضمن
إطلاقا حماية الأديان والمذاهب الأخرى المختلفة عنه ناهيك عن الاعتراف بها كديانات
، بل أنه يصفها دائما بالمبتدعة أو المحرفة أو الوضعية، بينما العلمانية لا يمكن
لها ان تكون علمانية ما لم تقم بحماية اية معتقد أو فكر والاعتراف به كحق وجودي
للإنسان وأن من حقه أن يزاول كل ما يؤمن به دون أن يتعرض للتحريض أو الإقصاء، مع
ترك مساحة لدعوة الآخرين بما يؤمن به ضمن نطاق القانون وفي اطر سلمية بحتة.
نحن في الأخير
أمام خياران لا ثالث لهما، وهو أما أن نقيم دولتنا العلمانية وبشكل صريح ولا لبس
فيه، او نقبل بحالة ألا دولة وألا نظام وألا قيام مؤسسات مدنية حقيقية، فأنصاف
الحلول لا تؤدي إلا إلى حالة من الشلل والفساد والفوضى ، ونحن لا وشك قد أتخمنا
فوضى وفسادا وضياعا.
تعليقات
إرسال تعليق
بإمكانك كتابة ما تشاء، لك مطلق الحرية ، فقط حاول ان تعبر بطريقة جميلة .