ما حدث في العراق هل سيتكرر في الجنوب


مازلت أتذكر ندوة أقيمت في أحد القنوات العربية لمناقشة الدستور العراقي الذي كان للتو أعد من أجل التصويت عليه، وتوقفت كثيرا عند بندا فيه تضمن حرمة وقداسة للعتبات المقدسة، مما أعطى لوجودها قوة دستورية شرعية ومنحها حصانة قانونية وأباح عملها وجعلها من ضمن أعمال الدولة.

كان الأمر بالنسبة لي مخيف، فتلك كانت ردة كبيرة، كما أنني أيقنت بأن العراق سيدخل مرحلة مظلمة جدا يأتي بعدها انفجار دموي طائفي، فالدستور العراقي هنا انحاز لطائفة دينية بعينها على باقي الطوائف التي تزخر بها العراق، وجعل كعبها عالي على الآخرين، كما أنه منح الوعي القروسطي المبني على قوة وهيمنة الموتى على مقدرات الأحياء حضورا نافذا، فباتت تلك المراقد تنافس الأحياء في التحكم بمصائر المواطنين.، وبالتالي منح المرجعيات الدينية سلطة عليا، ونحن نرى كيف أنه لا يمكن لسياسي أم يقر قرارا دون موافقة تلك المرجعيات ومباركتها، فباتت شرعيتهم الدينية فوق الشرعية القانونية للدولة.

 والان وبعد أكثر من عشرة سنوات من ذلك الدستور، تأملوا أين وصل العراق، وشاهدوا النفخ الطائفي المستعر، والجنون المذهبي، وكيف صار القتل على المذهب عمل روتيني ومعتاد، انظروا لداعش التي وجدت لها حاضنة إجتماعية كردة فعل على التشدد المذهبي الشيعي والإقصاء المتعمد لكل من يخالفهم ، بكل أختصار أن ما حدث ويحدث في العراق هو الجنون بعينه، وسببه بند في دستور كان من كتبه أعمى ومجرد من كل ما يمت للوطنية بصلة.

في الجنوب العربي، لا أستبعد أن نعيد هذه التجربة التي حدثت في العراق، وكأنها لم تحدث أمامنا وكأننا ما تابعنا تفاصيلها المؤلمة، فدعاة التمذهب والتدين الزائف وذوي الأصوات العالية منتشرون في كل مكان، لديهم معسكراتهم في عدن وتواجدهم العلني وراياتهم السوداء، لديهم عنفهم وحضورهم وإرهابهم لكل صحيفة أو قلم أو ناقد، في الجنوب العربي وفي عدن العاصمة، هنالك مد ديني متطرف يكاد أن يكون هو اللاعب الرئيسي في الساحة.

أعلم جيدا بان البلاد تمر بمرحلة انتقالية و تاريخية، وأعلم أن ظهور مثل تلك الجماعات البدائية في الوعي المتطرفة في السلوك هو امر طبيعي ومحتمل، لكن الذي اجهله ، لماذا يصر البعض من التقليل من أهمية وجودهم والإدعاء الدائم والمستمر بأنهم مجرد مراهقون ومعروفين في كثير من أحياء عدن.

اليس معظم كوادر تلك الجماعات المتطرفة وكل قنابلها الموقتة هم من فئة الشباب الصغار السن، اليس كل من يغرر به ويلتحق بهم هم من تلك الفئة العمرية، ثم لماذا التقليل من وجودهم عوضا عن التحذير منهم وكبح جماحهم قبل ان يتضخموا بشكل يدخلوننا في متاهة لا يمكن الخروج منها بسهولة.

الجنوب مستهدف من القوى النافذة في الشمال، ولا يمكن بأي حال الاعتقاد بأنهم سيتركونه ينعم بالأمن والسلام، والمخلوع والحوثي لم يتركوا عدن بعد، فمازلوا بها كخلايا تخريبية ترتدي مختلف الأزياء والهدف واحد وهو عرقلة الحلم الجنوبي بأية وسيلة كانت.

لن يتوقف المخلوع عن دعم أي فصيل ديني متطرف مادام هذا الفصيل لديه استعداد للتفجير والتخريب والأدعاء بأن يطبق شرع الله ، وسنرى تلك التيارات بمختلف الأوجه، فمنها من سيفجر بالمساجد ومنها من سيخوض حربا ضروسا ضد المقاومة الجنوبية ومنها من سينغمس في العملية السياسية، ومن خلال هذه التوجهات سيفرضون رؤى واجندة قد تجعل من عدن قندهار أخرى ومن الجنوب طالبان.

الخطر كبير، والقاعدة في حضرموت تظهر علنا لتطبق أحكام قتل وقطع وتلاحق الناس في الأسواق لفرض وجهة نظرها الدينية بالقوة، والقاعدة موجودة في كل محافظات شبوة، اعلامهم ترفرف ومعسكراتهم تستقبل المجندين الجدد كل يوم والجميع يتعايش مع هذا الواقع المرير بحميمية، ولا نسمع إلا تبريرات تقلل من أهميتهم وخطر وجودهم.

حربهم وقتالهم، امر لا بد و ان يحدث، والتخلص منهم ثقافيا ومحاربتهم فكريا ضرورة وطنية قصوى، وعلمنة الدستور وإقامة مداميك الدولة المدنية هو الحصن المنيع من عودتهم من جديد، تمكين الحريات الفردية والثقافية والسياسية، وتحريم العمل الديني السياسي واستعادة دور المساجد للتوعية الدينية والأخلاقية عوضا عن التحريض المذهبي والحض على الكراهية، كلها أمور بديهية لمن أراد ان يقيم دولة حقيقية، ولمن أراد ان يجنب البلاد ويلات الاقتتال الطائفي بين الشعب الواحد.


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الزنداني، إنه كاهن الخراب

تساؤلات

خرافات جنسية