اليمن ما بعد الحادية عشر والنصف ظهرا
لا يمكن بحال لكل من يتابع ما يحدث بمنطقتنا العربية إلا وأن تعتريه مشاعر الحنق والفرح والغيرة معا،فهو حانق على رئيس عربي يشاهد الملايين من شعبه تهتف بأنها لم تعد تريده ومع ذلك يصر على البقاء والتلويح بالقوة والعنف لقمعهم وإجبارهم على القبول به رئيسا يتمتع بالثروة والمال والسلطة هو وأسرته، ومشاعر الفرح على أن الشعوب العربية لم تدخل مرحلة الغيبوبة الأبدية بعد وها هي ثارت في تونس وتثور في مصر ومازال المد الثوري مستمر لأن شرارته تضيء هنا وهناك، أما مشاعر الغيرة فهي نابعة من رغبة جامحة باللحاق بهذا الركب قبل أن تخمد جذوته.
حقيقة لا أعتقد أنه هنالك عربي غير سعيد بما يحدث الآن في مصر، فالمسالة باتت مسألة وقت وينهي الشعب المصري أسوء صفحة في تاريخه، فهو عانى الأمرين من نظام ساوم على كل شيء في مصر من أجل أن يضمن بقائه على سدة الحكم ثم أنتقل بالمساومة على القضايا العربية الأخرى بدء من العراق مرورا بالبنان وانتهاء بفلسطين، وقدم خدمات لم تكن تحلم بها أية دولة أجنبية أن تأخذها من دولة تتحلى بالحد الأدنى من السيادة، فالنظام المصري سحق كرامة الإنسان المصري وأدار ظهره له تاركا إياه يعاني من الفقر والفساد والفوضى بينما حاز هو ومن حوله بالنصيب الأوفر من الثروة والمال وأطلق قواه الأمنية لأهانه شعبه بشكل لم يسبق له من مثيل، أجزم أن حسني مبارك لا يمت للشعب المصري والأمة العربية بصلة أو قرابة و إنه دخيل قام بما يتوجب عليه القيام به وقد انتهى دوره الآن بعد أن تخلت عنه القوى التي كان يقدم لها خدماته ويحمى مصالحها على حساب شعبه.سيسقط مبارك لأن الشعب أراد ذلك، وإرادة الشعوب تعلوا ولا يعلى عليها أبدا، سيسقط نظام ما أصطلح على تسميته بمعسكر الاعتدال لتتهاوى بعدها كل معسكرات الذل والانكسار وليجدد الإنسان العربي من دمائه ويعيد بناء ذاته ونهضته بشكل يتناسب مع طموحه وكرامته وتاريخه.
تونس تخلصت كذلك من حكم لا يقل" اعتدالا" عن نظام حسني مبارك بعد أن قدمت أروع نموذج لشعب عربي مارس رقيه الإنساني والحضاري وأزاح نظاما مستبدا بطريقة أذهلت العالم، والنموذجان التونسي والمصري هما نماذج مكررة في كل الدول العربية تجد مثلهما سواء كانت تلك الدول ملكية أو جمهورية، وعلى امتداد الخريطة العربية كلها لن تجد دولة بمعنى الكلمة قائمة على المؤسسات والفصل بين السلطات، بل هي عبارة عن مزارع أو حظائر للرئيس وأسرته يأخذ منها ما يريد ويتصرف بها كيفما يشاء.
لكن ورغم سوء تلك الدول واستبدادها، إلا أن النموذج اليمني يعتبر من أكثر الدول العربية انحطاطا من ناحية طريقة الحكم والتعامل مع الشعب، ويكمن انحطاط النظام اليمني في أسلوب تعامله مع شعب كثير التسامح والصبر على ضنك الحياة وإهدار الكرامة مما جعل الرئيس يعتقد بأنه وبهذه الطريقة استطاع مسخ الحياة الآدمية في داخلنا وهي نتيجة وأن اعتقدها الرئيس فهي وبكل أسف لا تبعد كثيرا عن الحقيقة، فلو قارنا بين اليمنيين وبين التونسيون مثلا، فسنجد فرق هائل فيما بيننا وبينهم من ناحية التعليم والمدنية والحقوق، فاليمني مازال أميا حتى وأن كان متعلما ومازال قبليا_ والتنظيم القبلي يعتبر من أكثر التنظيمات قدما في التاريخ البشري وقد لجاء إليه الإنسان في وقت ما قبل تشكيل الدولة كنوع من أنواع الحماية_ ومازالت نظرته إلى المرأة بها الكثير من القصور كما أنه يؤمن بالترتيب الطبقي والعرقي ويفاخر بانتمائه المذهبي والديني، وكلها عوائق جذرية تقف أمام الوعي الفكري التحرري.
واليمني أنهك أكثر مما ينبغي بإدمانه على القات إذ استنزفت هذه الشجرة صحته وماله ووقته وجعلته يدور حول فلكها طوال النهار لا يفكر إلا بها، ولا يمكن لشعب أن يثور مادامت تتعطل مداميك تفكيره عند الساعة الحادية عشر والنصف، لأن الثورة على غرار التونسيون أو المصريين تحتاج إلى رجال وشعب بكامل وعيه على مدار الساعة لا أن يخرج ويرفع لوحات لمدة ساعتين ثم يغادر.
والمعضلة الثانية التي نعاني منها كيمنيين أنه مازال النظام هو المهيمن على المعارضة أو أن المعارضة تعمل داخل فلك النظام والمظاهرات الأخيرة التي حدثت كانت استعراضية أكثر منها ثورة شعبية، وكانت تحمل شعارات باردة وهتافات مسلوقة، وأن كانت بأعداد ضخمة فهي حاولت أن ترسل لنا صورة عن ديمقراطية البلاد وحرية التعبير مما أعطى النظام نقطة متقدمة عليه كونه ظهر بجنود وعساكره يحمون تلك المظاهرة ثم وبعد أن خرجت الصورة لوسائل الإعلام اشد قادة اللقاء المشترك بجهود الأمن لتنظيم مظاهراتهم ثم انصرفوا إلى بيوتهم بعد أن أزاحو عن كاهلهم بعض الملامة التي كانت منتشرة في أوساط الكثيرين تجاههم، فهنالك حالة تذمر واسعة لم تعد مقتصرة على النظام الحاكم بل شملت أحزاب المعارضة التي ظلت فترة طويلة مترددة في عمل شيء يعبر فعلا عن انتمائها إلى الشعب وظلت تحلم من أجل الحصول على فتات قد يلقيها الحزب الحاكم لهم.
بصراحة شديدة لا نريد مظاهرات رسمية تعمل ضمن الأجندة الحكومية حتى وأن رفعت شعارات ضدها، فأنا كنت ومازلت أطالب أحزاب المعارضة بأن يتخلوا عن تعاليهم ورسميتهم والخروج عن هذا النظام والتوجه إلى العمل الشعبوي الصادق الذي يسعى إلى التخلص نهائيا من نظام أنهك البلاد والعباد.
ما هو المخيف لدى قادة المعارضة وماذا لديهم يخشون أن يخسروه أن عملوا بمثابرة أكثر، فأن وجدوا أنفسهم غير قادرين على ذلك فليديروا ظهورهم لمن يرغب بالثورة والخروج إلى الشوارع ضد طغيان الحكم وفساده وعجرفته.
يجري الحديث حاليا عن مظاهرة قادمة، وأخشى أن تكون مثل سابقتها مجرد تنظيم دعائي لخروج قادة اللقاء المشترك وإظهار ديمقراطية النظام القائم أمام العالم ثم وعند الظهيرة يغادر الجميع إلى أسواق القات لتدار حلقات نقاش خارجة عن الوعي الطبيعي.
نريد ثورة حقيقية، وهذا لا يكون بالتنظيم المتقطع، واليمني لن يثور إلا حين يتجاوز الساعة الحادية عشر والنصف دون أن يشعر أنه في حالة مزاجية متعكرة أو في ضيق نفسي، لأنه أن فعل هذا فهذا يعني أن اليمني تخلص من أمور سلبية كثيرة هي عائق أساسي أمام حياته المستقبلية.
الأستاذ الفاضل بكر أحمد
ردحذفتحية طيبة
فعلا أنت محق ، ولا أخفيك سرا أن قلت لك أني كنت أتحاول مع أحد الأخوة ليلة البارحة حول هذه النقطة حين سألني : من برأيك سيكون القادم ؟
أخبرته أن أهل اليمن يعدون ليوم غضب ، لكني اخشى ما أخشاه عليهم أمور كثيرة ليس أسهلها القبلية .
أشاركك مخاوفك ، و دعني اكون صريحا معك ، فنحن في وضع لا يحتمل المجاملات ، أن اسلوب التحزب ( المنطوي على قواعد قبلية غير رتيب ) يسبب الكثير من العوائق ، وهو وتر طالما دقت عليه الحكومة في اليمن .
في الحقيقة الحديث يطول ، لكني أتمنى أن تجد اليمن منبع العروبة سبيلا ، ولن يظن عليها أبنائها من النخبة الواعية المثقفه ، ورهان الأمة اليوم على هذه الطبقة .
لك كل تقديري
عزيزي افلح
ردحذففي اليمن الأمر معقد بشكل قد لا يتصوره احد، وقد اجاد الرئيس اللعب على كل هذه العقد حتى يزيدها التهابا ، لكن هذا ليس دعاة لليئس بقدر ما هو معرفة بالخلل الحقيقي حتى يتسنى له إصلاحه.
انا يمكن مااعرف كثير عن اللي يصير باليمن واعتبره شي معيب بس انا متاكده الناس المؤيده للرئاسه ماوجدت من عبث واشوف المؤيدين راضيين يالايجابيات والسلبيات رغم قساوتها وهذا اكيد من مصلحة المواطن والبلد نفسه وماننكرونجحد اللي تعب لاجله فخامة الرئيس واهمها الوحده
ردحذفعزيزي ( غير معرف )
ردحذفمن خلال تعقيبك يبدوا فعلا انك لا تعرف كثير عما يحدث في اليمن .