تكلفة تجاهل اليمن
الجمود الطويل في اليمن أخذ أمس منعطفاً دموياً وبشكل مروع كما كان متنبئ به تماماً، فتح ت قوات النظام النار على المتظاهرين السلميين المتشبثين بحقوقهم في ساحة التغيير بصنعاء، مما أدى إلى مقتل العشرات وفاضت المستشفيات بالجرحى، كما فاض الإنترنت بمقاطع فيديو مروعة، التي يمكن أن تأتي بسهولة من ليبيا أو سوريا.
لقد وصلنا إلى الأزمة العنيفة التي الكثير منا حذر من وقوعها، نتيجة لإهمال الوضع في اليمن والسماح باستمرار الجمود السياسي هناك.
يجب أن تكون مذبحة صنعاء إشارة واضحة وضوح الشمس بأن الوضع اليمني الراهن غير مستقر ولن يستمر، وأن الفشل في إيجاد حل سياسي هو ضمان لتصاعد إراقة الدماء واشتداد الأزمة الإنسانية.
لقد حان الوقت للدفع بعملية الانتقال السياسي المباشر والتي لا تشمل توفير حصانة لرجال صالح.
لقد كان من الصعب سابقاً لفت انتباه أي شخص إلى اليمن، لقد هرع الرئيس اليمني علي عبدالله صالح إلى السعودية قبل عدة شهور لتلقي العلاج من جروح أصيب بها في محاولة اغتيال على ما يبدو، من شدة إنذهالهم من الحروب الساخنة في ليبيا وسوريا ومعركة انتقال السلطة في مصر والانهيار الدبلوماسي بين إسرائيل والفلسطينيين، وضعت الولايات المتحدة ومعظم دول المنطقة الوضع في اليمن في الموقد الخلفي.
وبالرغم من التصميم المنقطع النظير للآلاف من اليمنيين المدنيين على استمرار احتجاجاتهم المنتظمة، لكن المحللين حذروا من أن اليأس المتزايد الذي قد يضيع الفرصة أمام انتقال للسلطة سيكون خطأ كارثياً.
في الواقع، لقد اعتبر نظام صالح تخافت الإلحاح الخارجي عليه جزءاً من إستراتيجيته في التأخير والمماطلة على أمل أن يصمد أكثر ويخلط الأوراق ويشق الصفوف حتى يسحق حركة الاحتجاج، والآن اليمنيون هم الذين يدفعون الدماء ثمناً لهذا الإهمال.
يجب على الولايات المتحدة ودول مجلس التعاون الخليجي والأمم المتحدة والمعارضة اليمنية الضغط على صالح لترك السلطة الآن وأن تبدأ اليمن فوراً في نقل حقيقي للسلطة، ليس في غضون أشهر قليلة وليس في غضون سنوات قليلة ولا تقديم وعود فارغة للتغيير في المستقبل الذي لم يعد أي يمني يؤمن به.
لا يعني هذا الدعوة إلى تدخل عسكري، فبعد قضية ليبيا والنقاش حول سوريا، أصبح العمل العسكري للأسف الرغبة الأولى لكثير من الشعوب، بدلاً من أن تكون الأخيرة حتى عندما يكون واضحاً للغاية أنه خيار غير مناسب وغير محتمل.
لذا ينبغي الدفع بكامل الدعم السياسي للمعارضة في اليمن، موضحين أن المسؤولين اليمنيين سيتم مسائلتهم أمام المحاكم الدولية لدورهم في العنف ضد المدنيين والسعي بقوة لإنهاء الجمود غير المقبول الذي تشهده الكثير من شؤون الدولة.
أشهر من الغفلة جعلت هذه المهمة أصعب وليس أسهل، لقد كانت حركة الاحتجاج في اليمن واحدة من أكثر الاحتجاجات إثارة للإعجاب ودهشة من نظيراها العربيات.
بحلول شهر مارس كان واضحاً أنه لا مفر من سقوط نظام صالح قريباً أمام انتفاضة سلمية حاشدة، لكنه لم يسقط حتى بعد رحيل صالح إلى السعودية، وأعقب ذلك حالة من الجمود الطاحن.
الولايات المتحدة والمجتمع الدولي أوكلوا ملف اليمن إلى السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي التي سرعان ما أثبتت أنها لا ترقى إلى مستوى المهمة وأنها ليست مهتمة في إيجاد حل حقيقي، لذلك لعب النظام اليمني على هذه الغفلة وبحث لكسب الوقت والتشويش.
وبدلاً من ذلك أثبت المتظاهرون مرونة مدهشة، جاذبة عشرات الآلاف من الناس حتى وجدوا صعوبة في إيجاد أي وسيلة لتحقيق انفراج سياسي، لقد خلق سقوط القذافي في طرابلس حافزاً للمتظاهرين اليمنيين، مجدداً الأمل فيهم وحشد جهودهم، مفرزاً تصعيد ووحشية هذا الأسبوع الذي له خطورة كبيرة ليس فقط على اليمن، بل على المنطقة بأسرها.
إن هذه الأعمال الوحشية ستولد إلحاحاً متجدداً، لكن لا ينبغي التوهم بأن إيجاد حل الآن سيكون سهلاً، بعد أشهر طويلة وصعبة، المعارضة الآن مجزأة أكثر، ويعاني الشعب اليمني من انهيار اقتصادي حقيقي, إن بقاء النظام بعد أن كان على وشك الانهيار حيرّ خصومه، وتصلبت خطوط المعركة والعروض التي كانت تبدو معقولة سابقاً، الآن أصبحت غير مقبولة.
فمع تزاحم قوائم القتلى والجرحى من المدنيين اليمنيين وازدياد الغضب المتنامي في جميع أنحاء البلاد، من المرجح أن يكون هناك قليل من المهتمين بالمبادرة الخليجية التي توفر حصانة لأولئك المسؤولين عن المذبحة الجديدة، وأنا أتفق معهم.
واحدة من أهم الإنجازات المحققة في ليبيا والمعايير المتخذة من المجتمع الدولي تجاه الانتفاضات العربية كانت برفض توفير الحصانات والإفلات من العقاب على مثل هذه الفظائع، فلا ينبغي أن يكون نظام صالح استثناءاً.
إن أعمال العنف الأخيرة في اليمن ينبغي أن تكون حافزاً لكسر هذا الجمود، لكن أخشى أن الأرجح هو ببساطة استمرار العالم تجاهل ما يحدث في اليمن.
إن معظم اهتمام المجتمع الدولي في سياساته الشرق أوسطية هذا الأسبوع سيكون موجه نحو دراما المحاولة الفلسطينية للحصول على الاعتراف بدولة فلسطينية من الأمم المتحدة.
القليل في الغرب يرون مصالح كثيرة وكبيرة في اليمن، تتجاوز التركيز الضيق والحصري، والذي لا يمكن اليوم تعذره، على القاعدة في شبه الجزيرة العربية.
إن التقارير اللانهائية عن الأهوال في سوريا وقبل ذلك في ليبيا خدرت الشعوب على ما يجب أن تبدو واحدة من الحلقات اللانهائية من الفظائع، لكن كل هذا سيكون خطأ.
لمدة نصف عام حتى الآن كانت هناك فرصة لليمنيين أنفسهم في إحداث تغيير حقيقي وإيجابي وكسر هيمنة النظام القمعي والفاسد، إن جولة جديدة من العنف تجعل من تحقيق هذا التغيير ملحاً أكثر.
وإذا كان يمكن فقط إخطار الولايات المتحدة والأمم المتحدة ودول مجلس التعاون الخليجي وغيرهم بذلك، من الممكن تحقيق التغيير في نهاية المطاف.
اليمن واليمنيون عوامل مهمة، فتجاهلهم قد يسمح بوجود جمود سياسي مؤذي وأزمة إنسانية متفاقمة، فلم تزد سياسة الغفلة عن اليمن إلا مخاطر الانزلاق إلى حرب أهلية حقيقية والتي ستفرض أسوأ الخيارات السياسية، فلا تنتظروا ذلك.
*عن مجلة السياسة الخارجية الأميركية «فوريون بوليسي»، والترجمة لصحية أخبار اليوم
تعليقات
إرسال تعليق
بإمكانك كتابة ما تشاء، لك مطلق الحرية ، فقط حاول ان تعبر بطريقة جميلة .