الإصلاح والحوثي هما الرأسمالية في اسوء صورها.





الخطاب الإيديولوجي هو خطاب تحريضي في غالبه، ويعتمد على الشحن العاطفي والمعنوي ويطرح حلولا جذرية وتفسيرا واحدا للتاريخ وللحاضر ، بل ويتنبأ أيضا بالمستقبل، هو خطاب حاد لا يقبل بأنصاف الحلول وأن فعل فهي تكون مرحلة محددة ثم يعود إلى ما كان عليه من حده وتصلب، وأساس عنفوان وقوة هذا الخطاب تكمن في حشوده المؤمنة به والتي هي على أتم الاستعداد بأن تذهب بعيدا لأجله.

لا يمكن التفريق بين خطاب إيديولوجي عن الآخر إلا من حيث المظهر، بينما العمق والجوهر بالكاد يختلف، فكل التنظيمات الأيديولوجية تؤمن بأن الحقيقة لديها وبأن فهم الواقع والماضي هو فهمها فقط، وأن العالم كله مجرد مؤامرة تحاك ضدها وضد تقدمها ، لكن الاختلاف يكمن في المفردات اللغوية التي تقدم بها هذه الوجبات الدسمة استنادا إلى مرجعيتها التاريخية.

الخطاب الإيديولوجي ليس سيئا في حالة تضمنه قيما نبيلة يدعوا بها إلى المساواة والعدالة وإعادة الحقوق، لكن ليس كل خطاب إيديولوجي يحمل في داخله قيما نبيلة و إنسانية، بل من المفارقات بأن بعض تلك الخطابات تنظر بعين الكراهية للقيم الإنسانية إذ تراها مخالفة لقيمها التي تحملها، بل تكمن المصيبة الأكبر عندما يصبح الخطاب الإيديولوجي محرضا على الكراهية والنفور من الآخر وهذا ما نجد في الخطاب العرقي أو الديني، والمصيبة الأعمق أن تجتمع العرقية السلالية والدينية داخل خطاب واحد ويجد هذا الخطاب البيئة الملائمة لانتشاره ونموه.

لكن هل يمكن لخطاب مثل هذا  أن يحوي من ضمن مكوناته صورة مشابهة للنظام الرأسمالي الشره ، وقبلها هل النظام الرأسمالي سيئا أو إنه أنموذج مثالي يجب أن يحتذى به،  لذا وجب علينا أولا أن نعرفها  حسب ما أتفق عليه بأنه ( نظام اقتصادي تكون فيه وسائل الإنتاج بشكل عام مملوكة ملكية خاصة أو مملوكة لشركات) والتي تعني الإتاحة التامة لهيمنة طبقة ثرية على باقي الطبقات، والنظام الرأسمالي هو تطور حتمي للنظام الإقطاعي البدائي وليس نتاج فكرة مبتدعة ظهرت فجأة، ومن يحكم ويدير النظام الرأسمالي هي شركات عملاقة تضع يدها على الموارد وعلى العمالة وتستنزفها لتنتقل بعدها إلى مواضع أخرى لتنمية دخلها المتضخم، لذا فأن معظم الحروب والصراعات تقف خلفها تلك الشركات الضخمة التي تمولها كعملية تجارية بحته مقابل أرباح مادية متفق عليها.
لم يكن في يوما ما النظام الرأسمالي نظاما خلاقا، بل هو نظام يقوم على سحق الطبقات الدنيا مستخدما خطابا تقليديا محافظا لإخضاع تلك الطبقات ولعل أهم تلك الخطابات المحافظة التي يمكن أن يستخدمها النظام الرأسمالي هو الخطاب الديني المتشدد والذي يرى فيه أداة قوية لكبح جموح الشعوب وإخضاعها لتتقبل وضعها المادي والاقتصادي وأيضا السياسي، فلا يوجد أفضل من الدين ليقوم بمثل هذه المهمة سواء في السلم أو الحرب أو حتى في ظل الأزمات العميقة والشديدة، وقد أثبتت التجارب نجاعة هذه الطريقة التي أوجدت أخيرا حلفا علنيا ما بين التيار الديني في المنطقة وبين أعظم قوى رأسمالية في العالم وهي الولايات المتحدة الأمريكية، بل قد لا نستغرب أن تذكرنا بأن أكثر التنظيمات عنفا ودموية كتنظيم القاعدة تم تشكيلها ودعمها من قبل  القوى الرأسمالية في أفغانستان.

ولندخل في الواقع اليمني لنعرف إلى أي مدى قائم هذا التحالف ما بين الخطــــــــــــــاب الديني المؤدلج ( الإسلاموي )  وبين الرأسمالية بوجهها الاقتصادي السياسي وخاصة أنه لدينا أحزاب دينية ناشطة ولها موقعها المعتبر في الساحة اليمنية مثل تنظيم الإصلاح وحزب أنصار الله التابع للحوثيين.
 فتنظيم الإصلاح يعتمد على الخطاب الديني القائم على جلب التبرعات من المساكين والبسطاء وأيضا وفي نفس الوقت يعقد تحالفات عميقة مع القوى النافذة الثرية في البلاد من خلال نافذة الدين حيث انه يجيريهم لصالحه مقابل أن يقوم هذا التنظيم بإخضاع مناطق هيمنة هذا النافذ أو الشيخ القبلي له، إنها علاقة تبادلية صريحة ما بين الدين وبين القوة النافذة كل طرف يمنح الآخر شيء مما يريده، ثم يذهب هذا المال لعمليات تدوير سريعة لمضاعفتها ولا مانع من تلبيس تلك الأعمال التجارية شيء من القداسة مثل بيع ما يقوم بترويجه بعض  مشايخهم عن علاجات طبيعية تشفي من أمراض سقيمة كالايدز والسرطان والعقم، على أن يتم وفي نفس الوقت توزيع بعض التبرعات للمعوزين لابتزازهم في وقت الحاجة ومن لا يجدوا منه انصياعا تمنع التبرعات عنه فورا.
   تنظيم الإصلاح يدرك جيدا أن شيخ القبيلة ورجل الدين يقعون دائما في أعلى الهرم القيادي الاجتماعي ( وهو بالمناسبة هرم متخلف جدا ) لذا من الصعب أن يتقلد رجل مدني أي منصب قيادي في هذا التنظيم، إنها ثقافة محلية تراكمية عززها المال السياسي والتحالفات المبنية على مصالح مادية بحته، والنتيجة مبهرة دائما، فها هو الإصلاح يضع يده على كل مقاليد الأمور بعد أن أزاح منافسه الشرس في المؤتمر الشعبي العام.

بالتأكيد أن ابتزاز المحتاج والمعدم بلقمة عيشه هي أسوء أنواع الابتزاز  من ثم إخضاعه تحت خطاب متزمت دينيا هو الدمار الفعلي لأية دولة تريد أن تنشأ بطريقة صحيحة، لكن هنالك ما هو أسوء من هذا بكثير، إنها الدعوة المنتشرة الآن في شمال الشمال والتي يقودها الحوثيين وتستقطب فئات كثيرة من المجتمع، وحيثما وجد المال وجد النفوذ والانتشار، والحوثي يستغل بساطة المجتمع اليمني وحبه الفطري لآل بيت النبوة ويقوم بدمجها مع ثقافة مذهبية وافدة من الخارج ليملائها عنصرية عرقية وينفخها بشعارات لا منطقية، وحيثما وجد الدين السياسي نجد نديمه الخطاب العنصري الفوقي، وهما مادتان متلازمتان لإغراق الجماعة تحت أفيون يختطفهم خارج وقتهم وزمانهم ويحشرهم ضمن فترة تاريخية متأزمة، ليبقى الصراع النفسي بين ما هو كائن الآن وكيفية الانتقام لقضايا تاريخية وإسقاطها عنوة على كل ما يحدث في الوقت الحالي، كما أنها تفرض رسوم مادية وتجعل منها فريضة ثابتة تدفع لصالح فئة أو طبقة أعلى مما يعني مورد مالي ثابت ودائم.

الحوثي ينشر مذهبا استعباديا بمعنى الكلمة يصل إلى حد إرغام أتباعه بالركوع وتقبيل الأقدام والتمسح والخضوع التام والولاء المطلق، وهذه الأمور تتجاوز العقل في كثير من الأحيان  وباتت تنتهك الحقوق الإنسانية بشكل صريح، كما أنه خطاب يعتمد على بقائه ببقاء العدو المفترض أو خلقه أن لم يكن موجودا، مما يعني استنساخ تجارب دول إقليمية نراها ومنذ ثورتها وهي في صراعات إقليمية ودولية لا تتوقف، لأن توقف هذا الصراع يعني دخول الدولة في صراع داخلي قد يفضي إلى سقوطها.

الجماعات الدينية التي تمارس السياسة هي جماعات إقطاعية تؤمن بالطبقية العرقية وتصنف الناس اجتماعيا وتمكن فئة على فئة أدنى بحجة التقادم الديني أو الاجتماعي، كما أنها تنظر إلى المجتمع كحالة استهلاكية يجب إجادة التعامل معها لجني المزيد من الأرباح المادية والسياسية وهي تعي تماما أن الدولة المدنية القائمة على دستور ينص صراحة على مساواة المواطنين أمر يضربها في صميم وجودها، ومن المحال أن تقبل به مهما كانت الظروف.


  

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

علمانيون من اجل الجنوب

مفاتيح سيكولوجية الفرد الشمالي بيد علي عبدالله صالح

خرافات جنسية