العلمانية إذ تلقي بطوق نجاتها

كل ما نراه يطفو على السطح السياسي الان ما هو إلا نتيجة الهيمنة السياسية للأحزاب الدينية والتي اتخذت من الدين شعارا عاليا لها للمضي به نحو تحقيق أهدافها السياسية، يأتي هذا مقابل خفوت وضمور لأي وعي ثقافي معاصر و فاعل ، بل أن الأمر تعدى حالة الإنكفاء للتيارات الحداثية إلى حالة تشبه الذوبان داخل التنظيمات الدينية  مما أفرغ الساحة من أي طرح حقيقي وعقلاني ومعتدل.
من الصعب  عمل مقارنة بين الفكر العلماني وبين القوى الدينية السياسية، فلا يمكن لتلك القوى التي تستخدم الدين أن تصمد كثيرا أمام وقائع وحقائق تاريخية وفكرية كما أنه لا يمكن لها ان تطرح مشروعا خاليا من العيوب والثغرات وذلك لأنها تفتقر إلى المرجعية التي تستند اليها، وهي المرجعية الدينية ، فلا شيء هناك يتحدث عن أساليب الحكم والسياسة ، لذا هي تستخدم الصوت العالي وسيف الدين المسلط على الرقاب والإيحاء بأن عملهم من صميم الطقوسية الدينية والتعبدية، وأن اية معارضة لهم هي معارضة للشريعة السماوية، وهذا يعتبر ابتزاز حقيقي وتعدي سافر على كرامة الإنسان وسلبه أهم حق لديه وهو حق الاختيار ، وهذا بعكس الفكر العلماني المدني الذي من أهم ركائزه  منح الإنسان حق الاختيار بدون ممارسة أية ضغوط عليه، لأن الإنسان المسلوب الحرية لا يمكن له أن ينتج أو يعطي ، بعكس الفرد الذي يعمل بناءً على قناعته الشخصية، فهذا يعطيه شعور بأن ما يقوم به يعكس وجدانه ويلبي احتياجاته الفعلية .
صحيح بأن التيارات الدينية تمتلك المقدرة على الحشد والتهييج، والدليل ما نراه في مظاهرات مقابل مظاهرات  أخرى حدثت في صنعاء مؤخرا، وكلتا المظاهرتان  دعت لها قوى دينية، وهذا ليس بسبب أن تلك التيارات الدينية جيدة، بقدر أنه لا يوجد بديل عنهما، كما أنه يكشف حالة الضعف والتهالك التي تمر بها القوى المدنية في اليمن والتي لم تعد قادرة على طرح مشروع يجذب الآخرين اليها.
لكن وبما  أن القوى الدينية متفردة  تقريبا بكل شيء وهي من تتحكم بأدوات الحكم والمعارضة معا، وكما يبدوا لنا أيضا وبشكل تفصيلي بأن الصراع على اشده بين الإسلام السني والذي يمثله تنظيم الإصلاح بكل علمائه المهيمنون على الساحة منذ خمسون عاما، وبين الإسلام الشيعي الذي يمثله أنصار الله والحوثي وهو تيار فتي  وطموح، وأن هذا الصراع نتيجة عدم مقدرة التيارات الدينية على أستيعاب طرف آخر يكون موجود سواها، فهي تضيق به ومنه ، لذا البلد مأخوذ وبشكل متسارع الي طريق مجهول عواقبه، خاصة ونحن نعلم بان تلك التيارات لديها استعداد تام بأن تخوض حروبها المقدسة ضد بعضها وباسم الإسلام والدين، والضحية هو ذلك المواطن البسيط المأخوذ بشعاراتهم ووعودهم.
فيما مضى ما كان لأحد يستطيع أن يتهم الإسلام السياسي بالفشل، أما الان وكدليل ناصع ومعاش نستطيع أن نقول بأنه هذا هو الإسلام السياسي، شاهدو طريقة عمله ونتائج حكومته ومعارضته، إنه اسلام سياسي يأخذ الجميع نحو نفق مظلم وبكل صلف دون أن يقبل مراجعة أو نقد، اما على المستوى الإقليمي فهنالك نماذج اكثر رعبا مثل جبهة النصرة وداعش ، وكل تلك الأمثلة كفيلة بجعل الانسان الطبيعي  يقوم بمراجعة نفسه وفكره والبحث عن بدائل معتدلة تكفل له الحياة الكريمة دون خوض معارك نيابة عن الآخرين.
الخيار العلماني مازال مطروحا،وسيبقى هو من افضل الخيارات المتاحة لأنه يقوم على المساواة والعدالة وصون الحريات بمختلف أنواعها وتوجهاتها ، العلمانية نظام حقيقي وليس عبثي كالذي نراه الان، لأنه نظام للدولة التي تقوم على المؤسسات والحقوق المدنية وتسعى لجعل الدولة مكان آمن ومؤهلا للحياة بكرامة، وهذه ليست مجرد شعارات نصوغها بدون أية معنى أو دلالة، لكنها فعلا طوق نجاة لهذا البلد لمن أراد الأخذ به .

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الزنداني، إنه كاهن الخراب

تساؤلات

خرافات جنسية