اطلقوا رصاصة الرحمة على البيض




حتى الان ومازال الشعب في الجنوب لم ينسى للبيض بيعه له في وحدة عام 1990م بأبخس الأسعار، لم ينسى كيف تم جره وبدون إرادته إلى مسلخ الشمال ليذبح من الوريد إلى الوريد، كيف آلت الأمور نتيجة كل قرارته الخاطئة إلى نهب مدن الجنوب واستباحة دمائه في باحات المساجد في الشمال، مازال الجنوبيون يُحملون البيض ولا أحد سواه كل ما اصابهم حتى لحظة كتابة هذا المقال.

لذا حين خرج البيض من اليمن وأنتقل إلى سلطنة عمان وغاب غيبته تلك، لم يسأل عنه أحد ولم يرغب أحد أيضا بتذكره، لأن حضور أسمه لا يعني إلا حضور لكل الآلام والمآسي التي رغب الجميع بتناسيها ومواصلة حياتهم كيفما أتفق، حاول الجنوبيون التعامل مع الواقع والتعايش مع الوعي الشمالي الكاسح بقوة السلاح وغرور المنتصر، حاول الجنوبي أن يكون جزء منه لا جزء يعيش بدرجة دونه، حاول قدر المستطاع فلم يستطيع ذلك، لأن قلب المفاهيم والمبادئ والأسس البديهية في هذه الحياة امر لم يكن الجنوبيون قادرون عليه، لأن إهانة الفطرة السليمة وإخضاعها لقوانين لا إنسانية امر ما كان له أن يجد له موطيء قدم بينهم، لذا خرجت بذرة الثورة في عام 2007م وكانت ثورة حقوقية في البداية ، ثورة لم تكن تطمح لأي شيء سوى بأن تتم معاملة الجنوبي بشيء من المواطنة وبقليل من الاحترام، فكان الرد على لسان أعلى هرم في السلطة آنذاك، بأن تلك المطالب ما هي إلا زوبعة في فنجان وستنتهي.

الثورة لا تموت ولا تنتهي ، الثورة الحقيقية تسقط الطغاة من أعلى عروشهم، وثورة الجنوب تفاعلت مع ذاتها وقيمها وتاريخها وانتشرت كالنار في الهشيم في كل مدينة وقرية وزقاق جنوبي، الثورة الجنوبية سرت في دماء الأطفال والعجائز والشباب وأصبحت واقعا يقف أمامه العالم بكل احترام وانبهار حتى خرج البيض بإعلانه الشهير بأنه سيقود الثورة حتى تحقيق أهدافها ثم يسلم السلطة للشباب لأنه لم يعد يريد تحمل أية مسئوليات إنه وكما جاء على لسانه يريد أن يكفر عن اكبر خطا ارتكبه حين قرر إعلان الوحدة مع الجمهورية العربية اليمنية.

ما كان ينبغي للجنوبيين أن يسمحوا لأحد بأن يسرق ثورتهم، ما كان لهم بأن يجربوا المجرب، فمن أفلس مرة لا يمكن له أن يعطي شيء مختلف عما فعله في السابق، والبيض وخلال فترة بسيطة أستطاع أن يستقطب الشارع الجنوبي، واستطاع أن يخرج بمظاهرات ضخمة ومنظمة ، مما أقنع الجنوبيون بأنه أحد اهم القادة الذين ممكن أن يعول عليهم في تحقيق هدفهم الوحيد وهو إنجاز مشروع دولة الجنوب وإعادتها تحت حكم مواطنيها ولا أحد سواهم.

في لحظة ما ، ظننا أنه لم يعد يفصل بيننا وبين الدولة المنشودة سوى الإعلان عنها، إلا أنه وعوضا عن ذلك أقحمنا في نزاعات طفولية بين قادة خرجوا من ستينات القرن الماضي يتنازعون  الزعامة  ويتصرفون وكأن الزمن توقف عندهم فقط دون مراعاة أي ظروف أو معطيات جديدة حدثت، دون أن يفهموا أن خمسون عاما منذ توليهم زمام السلطة وحتى الان جرت مياه كثيرة من تحت الجسر، وان لغتهم وطريقة تفكيرهم تعتبر أثرية بالنسبة لهذا الجيل الذي يتحدث ويفكر بطريقة مختلفة عنهم، لكن وبدون أية مبالاة ومن خلال منازلهم الفارهة في الخليج أو مصر وعبر مؤتمراتهم التي تعقد في فنادق الخمسة نجوم ظلوا يتراشقوا الاتهامات والتخوين واستمروا بالإستقطابات الأنانية ، مما احرق الأمل في قلوبنا وأعطى صورة سلبية للعالم بأن القضية الجنوبية لا قيادة لها ولا يمكن التواصل معها وهي بهذا الوضع المزري، فأهملت وتم تجاهلها .

مضت ثورة الشمال الأولى عام 2011م وأسقط الديكتاتور من على كرسيه، وتقاسموا السلطة، وبطريقة مهينة تم اختراق القضية الجنوبية وخلق كيانات موالية لصنعاء بل تهافت كثير من القادة الجنوبيين على فتات موائدهم مما أدخل القضية الجنوبية داخل الثلاجة وأغلق الباب عليها، وهذا أنعكس على الشارع الجنوبي الذي فقد كثيرا من زخمه وشعر أنه أخذ منه حلمه بطريقة مفجعة ، الجنوبي شعر بأنه تعرض للخيانة وأن قضيته تلاشت، وتحولت تلك المظاهرات المليونية الي عشرات من الأشخاص يجوبون الشوارع حاملين صورة علي سالم البيض بطريقة استفزازية للمشاعر الوطنية في الجنوب.

الان يتساءل الجنوبي وبكل عقلانية، ما دخل قضيتنا بحروب إيران ونزاعاتها الإقليمية، ما شأن المواطن في عدن وشبوة وحضرموت من قضايا شعوب أخرى، ولماذا مثلا قضية فلسطين تأخذ طابع اكثر أهمية من طابع قضيتنا ، وكيف يستطيع الجنوبي أن يحرر القدس وهو واقع تحت نيران احتلال آخر، ولمصلحة من يتم الزج بنا في محاور إقليمية كتب لها أن تبقى عقود وسنين ضمن أجندة دولية ، وكيف كل هذا سيعود بالفائدة عليه.

الان وبعد سقوط صنعاء بيد الحوثيين، وهيمنتهم على مقاليد ومفاصل الدولة، وإحكام سيطرتهم على المدينة، والذي يدل دلالة قاطعة بإنهيار الجيش والأمن والمؤسسات، كنا نتوقع خطوة جريئة وجبارة في الجنوب تقطع الكثير من المسافات، كنا نتوقع على الأقل فعاليات ثورية بحجم الحدث في صنعاء واستغلاله بطريقة سياسية محنكة، كان حجم توقعاتنا واقعي جدا وبما يتناسب مع الأحداث في الشمال ، وهي توقعات طبيعية جدا، إلا أننا فوجئنا بإعلام البيض وقناته ( عدن لا يف ) مشغولة بالترويج للحوثي ومهتمة بازلة تشوهاته وكل اختراقاته وعمليات النهب المنظمة التي قام بها تجاه العديد من منازل خصومه السياسيين، انشغلت القناة التي من المفترض بها أنه لديها قضية واضحة بالترويج للحوثي ومتابعته على حساب قضيته الأساسية، بينما الحوثي لا يرى في الجنوب إلا بضع أخطاء حدثت وهو من سيصلحها ويعيد اللحمة حسب تعبيره من جديد بين أبناء الوطن الواحد.

ما يقوم به البيض الان، لا يعني إلا أنه أختطف الثورة الجنوبية وساقها في اتجاه خاطيء وبعيد عن خط سيرها، إنه هنا يكرر كل اخطائه الماضية وبشكل ديكتاتوري دون ان ينصت إلى الآخرين أو يستمع إلى المشورة والرأي المخالف، وإلا ما تفسير أن تسقط صنعاء دون ان تكون هنالك اية خطوة او حتى بيان او خطاب يوضح لنا ما هي الخطوات القادمة أو ما هو الموقف مما يدور.

هل البيض مسلوب الإرادة والقرار، هل أصبح عاجزا عن تقدير أهمية اللحظة وأن الفرصة متى ما ذهبت لا تعود أبدا، والسؤال الأهم، هل مازال هذا الرجل مؤهل بأن يقود ثورتنا ، وهل بقائه لصالحنا أم انه يشكل خطر مصيري على قضيتنا وكرامتنا وحياتنا.

 

 

 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

علمانيون من اجل الجنوب

مفاتيح سيكولوجية الفرد الشمالي بيد علي عبدالله صالح

خرافات جنسية