الإنفصاال الان وليس غدا

 
 
حتى الأعمى يدرك بأن العاصفة قادمة لا محالة، وأن نذر الصراع المذهبي ستكون هي شعار المرحلة القادمة، والجميع يعرف بأن الشمال يمر بحالة مخاض ناجمة عن حمل طال امدة وكان محتقن بكل التعقيدات الاجتماعية والأمنية والسياسية وان ما يحدث الان ليس نتيجة إبداعية خرجت فجأة، بل هي امتداد لطبخة على نار هادئة أعدت منذ سنين بعيدة، فحكم الشمال للدولة لم يكن حكما واعيا مقتدرا  ومتناسبا مع مقتضيات العصر والتمدن، حكم الشمال كان نسخة من حكم ما قبل الثورة ولكن بصورة اكثر فوضوية ولا مبالاة، كان في حقيقته إقطاعيات تتقاسمها قوى قبلية ودينية وعسكرية، وخروج الحوثي رافعا شعار المظلومية ما كان له أن ينتشر ويتسيد الموقف لولا ذلك الحكم الفاشل.
 
في الجنوب مازلنا نترقب بصمت وبحيرة، وكأننا فوجئنا بكل هذه الأحداث المتسارعة، فأسقط في يدنا الأمر، كأننا أخذنا على حين غرة أو باليل ، حائرون وببلادة مفرطة فاغرين أفواهنا، ننتظر تصريح من زعيم أو بيان من تنظيم سياسي، كأن الجنوبيين دخلوا زمن التيه الأبدي ، و هذا يعري حقيقة النضال السياسي الممتد من سنين طويلة، ويكشف العجز السياسي الذي يتمتع به القادة الجنوبيين الذين بدوا لنا و في لحظة ما كأنهم اكثر عددا من الشعب نفسه، فلا يوجد شعب مكافح في العالم ولديه كل هؤلاء القادة إلا نحن في الجنوب، ونتيجة طبيعية لهذا التضخم في القادة والزعامات  فأن القضية ستدخل في دهليز الصراعات الداخلية وتصفية الحسابات والذهاب بها بعيدا عن صلب الهدف المراد تحقيقه.
 
من يُعد لمليونية 14 أكتوبر، والقائمون عليها ، اين كانوا ، عليهم أن يدركوا جيدا بأنه لا مطلب آخر يمكن أن يقنعنا غير مطلب العمل الفوري لتحقيق فك الارتباط مع الشمال، والنجاة بأنفسنا من صراع عميق تتداخل به الجغرافيا والتاريخ والدين وهي عوامل كفيلة بحرق الأخضر واليابس وإفناء المتصارعين حتى آخر مقاتل فيهم، فك الارتباط ولا شيء سواه لأن كل شيء مهيأ كما انه يبدوا الحل الوحيد للنجاة بما يمكن النجاة به.
 
اعرف جيدا بأنه هنالك من يعول على الحوثي بتحقيق هذا المطلب، وأعرف ان البعض رهن قضيتنا دون الرجوع إلى أحد ضمن محاور أقليمية لا يمكن لها أن تعود علينا بالفائدة، والتعويل على الحوثي الذي  هو الآخر يعمل ضمن الأجندة ذاتها في الأقليم أمر غاية في الخطورة، والأخطر من كل هذا أنه وحتى الان لم نسمع تلميحا من الحوثيين بحق الجنوب في تقرير مصيره، وخطاب عبد الملك الحوثي الأخير والذي تطرق فيه الي القضية الجنوبية معربا عن تضامنه معها ومساويا معاناة الجنوب مع معاناتهم، مشيرا بأن الخصم كان واحدا، وأن الضرر أيضا شمل الجميع،  امر خطير للغاية إذ ان تحجيم القضية الجنوبية ومساواتها بما يدعي انه حدث لهم فيه إجحاف وأيضا فيه لؤم ، إذ انه هنا لا يختلف عما كان يصرح به علي محسن سابقا أو حميد الأحمر بشأن الجنوب في احداث عام 2011م
قضيتنا في الجنوب لا تشبه قضية الحوثي بأي حال من الأحوال، بل يجب التبراء منهم لأنهم يمثلون اسوء ما يمكن أن تحمله جماعه وتقاتل من أجل، الجنوب دولة مدنية والحوثي جماعة مذهبية تدعي أن كل ما تقوم به هو لأجل مرضاة الله وتنفيذا لرغباته، الجنوب شعب يتطلع إلى مساواته تحت النظام والقانون ويريد حريات شخصية ودينية ويؤمن بحقوق المرأة والطفولة وبالتعددية السياسية الليبرالية، والحوثي لا يرى إلا نفسه فقط بينما لا تعني له حقوق المرأة أو الطفل أي شيء إطلاقا، ولديه مواقفه المعلنة تجاه الفنون والموسيقى، إنه تنظيم رجعي بكل ما تعنيه الكلمة، وليس من مصلحتنا ابدا أن نقرن أنفسنا به او نسمح له بالحديث نيابة عنا.
أخر فرصة للشعب في الجنوب لتحقيق استقلاله هي هذه الأيام وتحت ظل هذه الأوضاع، ويجب ان تستغل لأنه لا خيار آخر لنا .

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الزنداني، إنه كاهن الخراب

تساؤلات

خرافات جنسية