كيف أصبح العدنيون دواعش
في لحظة ما،
وفي مكان ما ، لا بد ان نتوقف ونبحث عن
اقرب مرآة حتى تعكس صورتنا كما هي بدون
رتوش او مساحيق تجميل، وهذا الأمر لا يقتصر على الأشخاص ، بل أيضا يجب ان يطال
المدن، فهي وان كانت معيار جامد وأعني
بذلك المدن، إلا أنها تضم في احشاؤها فسيفساء بشرية
مع الزمن والتقادم تكون هذه الفسيفساء
أكثر تجانسا وتفاهما مما تعطي في
النهاية شكل ولون وثقافة شبه واحدة .
المدن لا
تتحدث أو تتصرف إلا من خلال ساكنيها، وهم ومن خلالهم نستطيع أن نطلق على المدن
صفاتها، ومدينة عدن ورغم تاريخها الذي طالما تغنى به ساكنيها إلا أنهم حاليا تعيش
حالة عكسية تماما عن تاريخها، أنها وبأيادي ساكني عدن لوثوا تاريخها وكل جميل كان فيها .
الكل يعرف ما
هي عدن ، انها مدينة التسامح والانفتاح والأعراق المختلفة والمتعددة والثقافات
المتنوعة ، هي التي نرى بها المسجد والكنيسة والمعبد ونشاهد المؤمنين يدخلون دور عبادتهم دون أن
يمسهم ضرر أو سوء ، كنا نرى ملامح المدنية في لهجة ساكنيها وفي طريقة تصرفهم وفي
أساليب معيشتهم، كنا نرى كل ذلك ونقارنه بالوضع الحالي، فنشعر بكثير من المرارة
والأسى، لأن سكان العاصمة هم في النهاية من يمنحون باقي المدن ثقافتهم.
هل باتت عدن
مدينة تشبه قندهار، ام هل هي مهيئة لتكون كذلك، ثم كيف غاب كل ذلك الأرث المدني عن
المدينة في لمح البصر حتى باتت تستوعب الفكر المتطرف وترحب بها وتتعايش معه وكأنها
مدينة قادمة من القرون الوسطى ، لو كان الأمر هكذا لربما بررنا هذه الأمور بحالة التصحر الثقافي
والهيمنة المذهبية القادمة من الشمال والتي سعت بكل ما تملك من أدوات الدولة على
مسخ هوية أهالي عدن وتجريدهم من ماضيهم وإلباسهم لبوس مختلف عن ماضيهم، لكن الأمر المخيف هنا هو انه حتى
مثقفيها وكتابها ومن عاصر الزمن الأكثر تمدنا لا يحركون ساكنا ولا ينتفضون
لأجل مدينتهم، وهؤلاء جرمهم أكبر حيث أنهم الأكثر مقدرة على قياس هذا التدني
والأكثر شعورا به من سواهم ، انهم
وبتقاضيهم عن هذه المصيبة كمن يساهم بها وبتأسيسها.
المتتبع
لمقالات الكتاب في الجنوب عامة ومن عدن
خاصة ، سيلاحظ أنهم يكتبون في كل مكان وعن كل شيء إلا عن الفيل القابع في الغرفة
والذي يحمل معه التطرف والموت والتخلف، ان من لا يرى جماعات التطرف الديني المذهبي وهي تصول وتجول في عدن ،
انما به عمى او غشاوة ذهنية مريضة، ,ان تجاهلهم لتلك الظاهرة تعد خيانة في حق
الضمير الإنساني أولا ، وفي حق أهالي عدن ثانيا ، ان السكوت عن هذا الشر إنما هي
مشاركة بائسة نحو ترسيخ ثقافة الجهل والموت
والعبث .
عندما يقتحم
أشخاصا بعدد الأصابع لأحد الكليات التعليمية ويدخلون عنوة قاعاتها ويقوموا بطرد
الطلاب وتهديد من عليها بأن ما يحدث هنا اختلاط
او عندما يقدمون على إغلاق كليات ومنع الطلاب من الدراسة لأن عميدة الكلية
قامت بتمزيق شعاراتهم العنصرية والإرهابية دون ان يترك هذان العملان أثر نفسي بليغ
على أهالي عدن ودون يحرك كتابها ساكنا وان يمر مرور الكرام ، فهذا يعني أن
الأزمة قد بلغت ذروتها وان حالة التبلد في
الذهنية العدنية أصبحت حالة طبيعية ومعتادة ، بل تعدوا هذه المرحلة إلى حالة من
التبرير والتقليل من خطر تلك الجماعات
ومحاولة دمجها بالمجتمع من خلال
نفي وجودها .
هل أهل عدن
بهذه الصورة ،هل هم جاهلون اميون مجوفون
فكريا وعقليا حتى تختطفهم قوى الرجعية اما هم
متطرفون مذهبيا يساقون كالقطيع خلف
شعارات دينية ، هل أصبحت عدن بيئة حاضنة لتلك الجماعات تحتويهم وتتعايش معهم وتقوم بحمايتهم، وأخيرا
من سينتفض لأجل هذه المدينة التي نراها تغرق امام أعينهم وجميع من فيها ادار ظهره
لها .
تعليقات
إرسال تعليق
بإمكانك كتابة ما تشاء، لك مطلق الحرية ، فقط حاول ان تعبر بطريقة جميلة .